فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {سأل سائِلٌ}
قال المفسرون: نزلت في النضر بن الحارث حين قال: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء} [الأنفال: 32] وهذا مذهب الجمهور، منهم ابن عباس، ومجاهد.
وقال الربيع بن أنس: هو أبو جهل.
قرأ أبو جعفر، ونافع، وابن عامر: {سال} بغير همز.
والباقون بالهمز.
فمن قرأ {سأل} بالهمز ففيه ثلاثة أقوال.
أحدها: دعا داعٍ على نفسه بعذابٍ واقعٍ.
والثاني: سأل سائل عن عذابٍ واقعٍ لمن هو؟ وعلى من ينْزِل؟ ومتى يكون؟ وذلك على سبيل الاستهزاء، فتكون الباء بمعنى (عن) وأنشدوا:
فإنْ تسْألُوني بالنِّساءِ فإنّنِي ** خبِيرٌ بِأدْواءِ النِّساءِ طبِيبُ

والثالث: سأل سائل عذابا واقعا، والباء زائدة.
ومن قرأ بلا همز ففيه قولان.
أحدهما: أنه من السؤال أيضا، وإنما ليّن الهمزة، يقال سأل، وسال، وأنشد الفراء:
تعالوْا فسالُوا يعْلمِ النّاسُ أيُّنا ** لِصاحِبِهِ في أوّلِ الدّهْرِ تابِع

والثاني: المعنى سال وادٍ في جهنم بالعذاب للكافرين، وهذا قول زيد بن ثابت، وزيد بن أسلم، وابنه عبد الرحمن، وكان ابن عباس في آخرين يقرؤون {سال سيْلٌ} بفتح السين، وسكون الياء من غير ألف ولا همز.
وإذا قلنا إنه من السؤال فقوله تعالى: {للكافرين} جواب للسؤال، كأنه لما سأل: لمن هذا العذاب؟ قيل: للكافرين. والواقع: الكائن.
والمعنى: أن العذاب للذي سأله هذا الكافر كائن لا محالة في الآخرة {للكافرين ليس له دافع من الله} قال الزجاج: المعنى: ذلك العذاب واقع من الله للكافرين.
قوله تعالى: {ذي المعارج} فيه قولان.
أحدهما: أنها السموات، قاله ابن عباس، وقال مجاهد: هي معارج الملائكة.
قال ابن قتيية: وأصل المعارج الدّرج، وهي من عرج: إِذا صعِد قال الفراء: لما كانت الملائكة تعْرُج إليه، وصف نفسه بذلك.
قال الخطابي: المعارج: الدّرج، واحدها: معْرجٌ، وهو المصْعدُ، فهو الذي يُصْعدُ إِليه بأعمال العباد، وبأرواح المؤمنين.
فالمعارج: الطرائق التي يُصْعدُ فيها.
والثاني: أن المعارِج: الفواضِلُ والنِّعم، قاله قتادة.
قوله تعالى: {تعْرُجُ الملائكة} قرأ الكسائي: {يعْرُج} بالياء.
{والروحُ} في {الروح} قولان.
أحدهما: جبريل، قاله الأكثرون.
والثاني: روُح الميِّت حين تُقْبضُ، قاله قبيصة بن ذُؤيْب.
قوله تعالى: {إليه} أي: إِلى الله عز وجل {في يومٍ كان مقدارُه خمسين ألف سنةٍ} فيه قولان.
أحدهما: أنه يوم القيامة، قاله ابن عباس، والحسن، وقتادة، والقرظي، وهذا هو مقدار يوم القيامة من وقت البعث إِلى أن يفصل بين الخلق.
وفي الحديث: «إنه ليُخفّفُ على المؤمِن حتى يكون أخفّ عليه من صلاة مكتوبة» وقيل: بل لو ولي حساب الخلق سوى الله عز وجل لم يفرغ منه في خمسين ألف سنة، والحقُّ يفرغ منه في ساعة من نهار.
وقال عطاء: يفرغ الله من حساب الخلق في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا، فعلى هذا يكون المعنى: ليس دافع من الله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، وقيل: المعنى: سأل سائل بعذاب واقع في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة.
فعلى هذا يكون في الكلام تقديم وتأخير.
والثاني: أن مقدار صعود الملائكة من أسفل الأرض إلى العرش لو صعِده غيرهم قطعه في خمسين ألف سنة، وهذا معنى قول مجاهد.
قوله تعالى: {فاصبر} أي: اصبر على تكذيبهم إياك {صبرا جميلا} لا جزع فيه، وهذا قبل أن يُؤْمر بقتالهم، ثم نسخ بآية السيف {إنهم يروْنهُ} يعني العذاب {بعيدا} غير كائن {ونراه قريبا} كائنا، لأن كل ما هو آتٍ قريبٌ.
ثم أخبر متى يكون فقال تعالى: {يوم تكون السماء كالمهل} وقد شرحناه في [الكهف 29] {وتكون الجبال كالعهن} أي: كالصوف.
فشبّهها في ضعْفها ولِينِها بالصوف.
وقيل: شبّهها به في خِفّتِها وسيْرِها، لأنه قد نقل أنها تسير على صورها، وهي كالهباء: قال الزجاج: (العهن) الصوف.
واحدته: عِهْنةٌ، ويقال: عُهْنةٌ، وعُهْنٌ، مثل: صُوفةٍ، وصُوفٍ.
وقال ابن قتيبة: (العِهْنُ) الصوفُ المصبوغ.
وقوله تعالى: {ولا يسْألُ حميمٌ حميما} قرأ الأكثرون: {سأل} بفتح الياء.
والمعنى: لا يسأل قريب عن قرابته، لاشتغاله بنفسه.
وقال مقاتل: لا يسأل الرجل قرابته، ولا يكلِّمه من شدة الأهوال.
وقرأ معاوية، وأبو رزين، والحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، وابن محيصن، وابن أبي عبلة، وأبو جعفر: بضم الياء.
والمعنى: لا يقال للحميم: أين حمِيمُك؟.
قوله تعالى: {يُبصّرُونهم} أي: يُعرّفُ الحميم حميمه حتى يعْرِفه، وهو مع ذلك لا يسأل عن شأنه. ولا يكلِّمه اشتغالا بنفسه.
يقال: بصّرْتُ زيدا كذا: إذا عرّفْتهُ إيّاه.
قال ابن قتيبة: معنى الآية لا يسْألُ ذو قرابة عن قرابته، ولكنهم يُبصّرُونهم، أي: يُعرّفُونهم.
وقرأ قتادة، وأبو المتوكل، وأبو عمران: {يُبْصِرُونهم} بإسكان الباء، وتخفيف الصاد، وكسرها.
قوله تعالى: {يودُّ المجرم} يعني: يتمنّى المشرك لو قُبِل منه الفداءُ {يومئذٍ ببنيه وصاحبته} وهي الزوجة {وفصيلته} قال ابن قتيبة: أي: عشيرته.
وقال الزجاج: هي أدنى قبيلته منه، ومعنى {تُؤويه} تضمه، فيودُّ أن يفتدي بهذه المذكورات {ثم ينجيه} ذلك الفداء {كلاّ} لا ينجيه ذلك {إنها لظى} قال الفراء: هو اسم من أسماء جهنم، فلذلك لم يُجْر، وقال غيره: معناها في اللغة: اللهب الخالص، وقال ابن الأنباري: سميت لظى لشدة توقُّدِها وتلهُّبِها، يقال: هو يتلظّى، أي: يتلهّب ويتوقّد.
وكذلك النار تتلظّى يراد بها هذا المعنى.
وأنشدوا:
جحِيما تلظّى لا تفْتّرُ ساعة ** ولا الحرُّ مِنْها غابِر الدّهْرِ يبْرُدُ

{نزّاعة لِلشّوى} قرأ الجمهور {نزّاعةٌ للشوى} بالرفع على معنى: هي نزّاعة.
وقرأ عمر بن الخطاب، وأبو رزين، وأبو عبد الرحمن، ومجاهد، وعكرمة، وابن أبي عبلة، وحفص عن عاصم {نزّاعة} بالنصب.
قال الزجاج: وهذا على أنها حال مؤكدة، كما قال تعالى: {هو الحق مصدقا} [فاطر: 31] ويجوز أن ينصب على معنى (إنها تتلظى نزاعة).
وفي المراد ب (الشّوى) أربعة أقوال.
أحدها: جلدة الرأس، قاله مجاهد.
والثاني: محاسن الوجه، قاله الحسن، وأبو العالية.
والثالث: العصب، والعقب، قاله ابن جبير.
والرابع: الأطراف اليدان، والرجلان، والرأس، قاله الفراء، والزجاج.
قوله تعالى: {تدْعُو من أدبر} عن الإيمان {وتولّى} عن الحق.
قال المفسرون: تقول: إلى يا مشرك، إلى يا منافق {وجمع فأوعى} قال الفراء: أي: جمع المال في وعاءٍ فلم يؤدِّ منه زكاة، ولم يصل منه رحما.
قوله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعا} قال مقاتل: عنى به أُميّة بن خلف الجُمحي.
وفي الهلوع سبعة أقوال.
أحدها: أنه الموصوف بما يلي هذه الآية، رواه عطية عن ابن عباس، وبه قال أبو عبيدة، والزجاج.
والثاني: أنه الحريص على ما لا يحلُّ له، رواه أبو صالح، عن ابن عباس.
والثالث: البخيل، قاله الحسن، والضحاك.
والرابع: الشحيح، قاله ابن جبير.
والخامس: الشّرِه، قاله مجاهد.
والسادس: الضّجُور، قاله عكرمه، وقتادة، ومقاتل، والفراء.
والسابع: الشديد الجزع، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {إذا مسه الشر} أي: أصابه الفقر {جزوعا} لا يصبر.
ولا يحتسب {وإذا مسه الخير} أصابه المال {منوعا} بمنعه من حق الله عز وجل {إلا المصلين} وهم أهل الإيمان بالله.
وإنما استثنى الجمع من الإنسان، لأنه اسم جنس {الذين هم على صلاتهم دائمون} وفيهم ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم الذين يحافظون على المكتوبات، وهو معنى قول ابن مسعود.
والثاني: أنهم لا يلتفتون عن أيمانهم وشمائلهم في الصلاة، قاله عقبة بن عامر.
واختاره الزجاج قال: ويكون اشتقاقه من الدائم، وهو الساكن، كما جاء في الحديث أنه نهى عن البول في الماء الدائم.
والثالث: أنهم الذين يكثرون فعل التطوع، قاله ابن جريج.
{والذين في أموالهم حق معلوم} قد سبق شرح هذه الآية والتي بعدها في [الذاريات: 19] وبينا معنى {يوم الدين} في الفاتحة.
وما بعد هذا قد شرحناه في [المؤمنين 7، 8] إلى قوله تعالى: {لأماناتهم} قرأ ابن كثير وحده: {لأمانتهم} {والذين هم بشهاداتهم} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {بشهادتهم} على التوحيد.
وقرأ حفص عن عاصم: {بشهاداتهم} جمعا {قائمون} أي: يقومون فيها بالحق، ولا يكتمونها {فمالِ الذين كفروا قِبلك مُهْطِعين} نزلت في جماعة من الكفار جلسوا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم يستهزؤون بالقرآن، ويكذِّبون به.
قال الزجاج: والمُهْطِع: المُقْبِلُ ببصره على الشيء لا يُزايِلُه، وكانوا ينظرون إلى النبي نظر عداوة.
وقد سبق الخلاف في قوله تعالى: {مهطعين} [إبراهيم 43، والقمر: 8].
قوله: {عن اليمين وعن الشمال عِزين}.
قال الفراء: العِزُون: الحِلق، الجماعات، واحدتها: عِزةٌ، وكانوا يجتمعون حول النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: إن دخل هؤلاء الجنة، كما يقول محمد صلى الله عليه وسلم فلندخلنّها قبلهم، فنزل قوله تعالى: {أيطمع كل امرئٍ منهم أن يُدخل جنة نعيم} وقرأ ابن مسعود، والحسن، وطلحة بن مصرف، والأعمش، والمفضل عن عاصم: {أن يدْخُل} بفتح الياء، وضم الخاء.
وقال أبو عبيدة: عِزِين: جمع عِزة، مثل ثُبة، وثُبِين، فهي جماعات في تفرقة.
قوله تعالى: {كلا} أي: لا يكون ذلك {إنا خلقناهم مما يعلمون} فيه قولان.
أحدهما: من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، فالمعنى: لا يستوجب الجنة أحد بما يدّعيه من الشرف على غيره، إذ الأصل واحد، وإِنما يستوجبها بالطاعة.
والثاني: إنا خلقناهم من أقذار.
فبماذا يستحقون الجنة ولم يؤمنوا؟ وقد روى بشر بن جحّاش عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه تلا هذه الآية {إنا خلقناهم مما يعلمون} ثم بزق، قال: يقول الله عز وجل: أنّى تعجزني، وقد خلقتك من مثل هذه؟! حتى إذا سوّيتُك، وعدّلتُك، مشيْت بين بُرْديْنِ، وللأرض منك وئيد، فجمعت، ومنعت، حتى إذا بلغت التراقي قلت: أتصدّقُ، وأنّى أوان الصدقة؟!».
قوله تعالى: {فلا أقسم} قد تكلمنا عليه في [الحاقة: 38] والمراد بالمشارق، والمغارب: شرقُ كل يوم ومغربُه {إِنّا لقادرون على أن نُبدِّل خيرا منهم} أي: نخْلُق أمْثل منهم، وأطْوع لله حين عصوْا {وما نحن بمسبوقين} مفسر في [الواقعة: 60] {فذرهم يخوضوا} في باطلهم {ويلعبوا} أي: يلهوا في دنياهم {حتى يُلاقوا} وقرأ ابن محيصن {يلْقوْا يومهم الذي يوعدون} وهو يوم القيامة.
وهذا لفظ أمر، معناه: الوعيد.
وذكر المفسرون أنه منسوخ بآية السيف.
وإذا قلنا: إنه وعيد بلقاء يوم القيامة، فلا وجه للنسخ {يوم يخرجون من الأجداث سراعا} أي: يخرجون بسرعة كأنهم يسْتبِقُون.
قوله تعالى: {كأنهم إلى نُصُبٍ} قرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم بضم النون والصاد.
وقال ابن جرير: وهو واحد الأنصاب، وهي آلهتهم التي كانوا يعبدونها، فعلى هذا يكون المعنى: كأنهم إلى آلهتهم التي كانوا يعبدونها يُسرعون.
وقرأ ابن كثير، وعاصم، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: بفتح النون وسكون الصاد، وهي في معنى القراءة الأولى، إلا أنه مصدر.
كقول القائل: نصبت الشيء أنصبه نصبا.
قال قتادة: معناه: كأنهم إلى شيء منصوب يسرعون.
وقال ابن جرير: تأويله، كأنهم إِلى صنم منصوب يُسْرِعُون.
وقرأ ابن عباس، وأبو مجلز، والنخعي {نُصْب} برفع النون، وإسكان الصاد، وقرأ الحسن، وأبو عثمان النّهدي، وعاصم الجحدري {إلى نصبٍ} بفتح النون والصاد جميعا.
قال ابن قتيبة: النصب: حجر يُنْصبُ أو صنم، يقال: نصْب، ونُصْب، ونُصُب، وقال الفراء: النّصْب والنُّصْبُ واحد، وهو مصدر، والجمع: الأنصاب.
وقال الزجاج: النّصْب، والنُّصُب: العلم المنصوب.
قال الفراء: والإيفاض: الإسراع.
قوله تعالى: {ترهقهم ذِلّةٌ} قرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وعمرو ابن دينار {ذِلّةُ ذلك اليومِ} بغير تنوين، وبخفض الميم.
وباقي السورة قد تقدم بيانه [المعارج: 42]. اهـ.